عمالة الأطفال تمزق المجتمع العراقي وتنبئ بتداعيات خطيرة

العراق/مدينة الديوانية/علي الناشي

لم ير الطفل أمير ظاهر (12 سنة)، المقاعد الدراسية قط ولم يجلس عليها في يوم من الأيام، إذ تفرغ لبيع العلكة تارةً والتسول تارةً أخرى ليؤمن الجزء الذي القي عليه من إيجار المنزل ويوفر العلاج لأمه التي أقعدها مرض في العظام بالمنزل بشكل دائم.

ويقول أمير، إن “سبب لجوئي إلى العمل هو حالة أسرتي المادية المتردية ومرض والدتي الذي أقعدها في المنزل بعد وفاة والدي، وأتنقل بين المحال والأسواق بغية جمع الجزء الملقى علي من إيجار المنزل الذي يبلغ 200 ألف دينار شهرياً، إذ اعمل في بيع العلكة والتسول منذ عام ونصف”.

ويوضح، أن والدي توفى في انفجار سوق الأسماك الذي ضرب الديوانية (180 كم جنوب بغداد) قبل ثلاث سنوات، وبذلك انقطع عنا مورد العيش الثابت والمساعدة كون أهل والدي ووالدتي من سكنة محافظة البصرة.

ويضيف أنا لم ادرس ولم ادخل للمدرسة أبداً لاني لا املك جنسية أو أية أوراق رسمية أخرى، لان والدي لم يسجل عقد زواجه في المحكمة رسمياً وتوفى قبل أن يفعل ذلك.

ويشكو الطفل تعامل بعض أصحاب المحال معه بشكل سيئ وتهجمهم عليه بألفاظ نابية في أكثر الأحيان.

ولم تختلف معاناة أمير عن معاناة الطفل عباس فارس (13 سنة) الذي يعمل في مطعم شعبي منذ مدة من الزمن بعد استشهاد والده قبل عام في المعارك الجارية ضد تنظيم “داعش” بمحافظة الانبار غربي العراق.

ويقول، إن “والدي استشهد في العمليات العسكرية الجارية غربي العراق وتركني مع 6 أشقاء نصفهم بنات لأتحمل عبء معيشتهم أنا وأخي الذي يكبرني بعامين”.

ويؤكد، أن أسرته لم تستلم أية مستحقات مالية من الحكومة بعد استشهاد والده ولم يخصص لهم أي راتب تقاعدي يسد احتياجاتهم.

ويتابع، أنا مصر على إكمال دراستي وكذلك إخوتي الصغار برغم ظروفنا الصعبة لكي نغير من واقعنا في المستقبل.

وفيما يشير إلى أن أهل والده وأهالي الحي الذي يسكنون فيه يمدون لهم يد العون بين الفينة والأخرى، يؤكد أن أسرته لم تتلق مساعدات من منظمات المجتمع المدني أو أية جهة أخرى.

وأثنى فارس، على تعامل صاحب المطعم ومن يرتادونه معه، ويقول، إن “الجميع يعطفون علي لأني أبن شهيد واصغر العاملين في المطعم إذ لا يلقون علي مهام صعبة لا تتماشى مع عمري”.

ويقول مدير إحصاء الديوانية فاضل عبد الحر، إن “نسبة عمالة الأطفال في الديوانية تبلغ 1.9 من نسبة المجتمع كله، أي أن 5390 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و14 سنة يعملون في مختلف مناطق المحافظة”.

وفيما يؤكد أن عمالة الأطفال في المناطق الحضرية “اخطر” من المناطق الريفية، يعزوا سبب اتجاه الأطفال للعمل إلى الوضع الاقتصادي المتردي ونسبة الفقر المرتفعة.

ويشدد عبد الحر على ضرورة أن تعيد الحكومة النظر في برنامج شبكات الحماية الاجتماعية لتشمل من هم تحت خط الفقر فعلا.

وتذكر الباحثة الاجتماعية اتحاد حسين، أن العراق من الدول الموقعة على اتفاقية تمنع عمالة الأطفال ومن يدعو إلى تناسي عمل الأطفال بسبب الظروف الاقتصادية يحث على عدم تنفيذ تلك الاتفاقية.

وتحذر حسين من المخاطر الكامنة وراء عمل الأطفال بلا رقيب في الأسواق والشوارع، إذ يمكن أن يستغلهم ضعاف النفوس في أعمال مشبوهة وغير أخلاقية.

وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أعلنت عن إجراءات موسعة وبرامج ومشاريع ذات أهمية كبرى في مكافحة ظاهرة عمالة الأطفال بالتعاون مع منظمة اليونسكو واليونسيف ووزارة التربية العراقية.

وتسعى الوزارة إلى تنفيذ مشاريع مهنية للحد من عمالة الأطفال ومنها إجراء مسحاً ميدانياً لتشخيص أسوأ أشكال عمالة الأطفال في عدة محافظات عراقية بالتعاون مع جمعية الأمل العراقية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان ووزارة التخطيط، وكذلك انجاز مشروع (علمّ طفلا) بالتعاون مع منظمة اليونسكو الذي يهدف إلى توفير الدعم الفني والمؤسساتي لرفع جودة التعليم غير النظامي وتوفير تعليم بديل يستقطب 180 ألف طفل خارج المدارس معظمهم من المناطق الريفية بنسبة 50% من الإناث من أجل دمجهم ضمن برنامج التعليم المسرع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *